فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وتارة يقتصر فيه على الكفاية فيلزمه الحصر ومنه: أحسبني الشيء: كفاني، واحتساب الأجر: الاكتفاء به، والحساب: معرفة المقدار، والحسب بمعنى الظن راجع إلى ذلك أيضًا، والأحسب: الذي ابيضت جلدته من داء وفسدت شعرته، بمعنى أن ذلك الداء كفاه في الفساد عن كل داء كأنه ما بقي يسع معه داء، والتحسيب: التكفين بما يسع الميت، وهو كفاية له لا يحتاج بعده إلى شيء، ومنه الحبس وهو المنع من مجاوزة الكفاية؛ وتتجاوز الكفاية فيسبح ويتسع مداه فلا ينحصر ومنه: الحسب- بالتحريك، وهو الشرف؛ ومنه السحب وبه سمي السحاب لانسياحه في الهواء؛ ومنه السبح في الماء، ومد الفرس يديه في الجري، والسبحة: صلاة التطوع- لأنه لا حد لها يحصرها، ولأنها تجاوزت الفرض، والسبح: الفراغ- للتمكن معه من الانبساط، والتسبيح: التنزيه- لأنه الإبعاد عن النقص، قال الرماني: وأصله البراءة من الشيء، وقال ابن مكتوم في الجمع بين العباب والمحكم: سبحان الله معناه تنزيهًا لله من الصحابة والولد، وتبرئة من السوء- هذا معناه في اللغة وبذلك جاء الأثر عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال سيبويه: زعم أبو الخطاب أن سبحان الله كقولك براءة الله من السوء، كأنه يقول: أبرئ براءة الله من السوء، وزعم أن مثل ذلك قول الأعشى:
أقول لما جاءني فخره ** سبحان من علقمه الفاخر

أي براءة منه، وبهذا استدل على أن سبحان معرفة إذ لو كان نكرة لانصرف، قال: وقد جاء في الشعر منونًا نكرة، قال أمية:
سبحانه ثم سبحانًا يعود له ** وقبلنا سبح الجودي والجمد

وقال ابن جني: سبحان اسم علم لمعنى البراءة والتنزيه بمنزلة عثمان وحمران، اجتمع في سبحان التعريف والألف والنون، وكلاهما علة تمنع من الصرف- انتهى.
وقال الزجاج: جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أن قوله سبحان الله تبرئة لله من السوء، وأهل اللغة كذلك يقولون من غير معرفة بما فيه من الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ولكن تفسيره يجمعون عليه، وقد سبح الرجل: قال سبحان الله، وفي التنزيل: {كل قد علم صلاته وتسبيحه} [النور: 41] وسبح لغة في سبّح، وحكى ثعلب: سبح تسبيحًا وسبحانًا، قال ابن سيده: وعندي أنا سبحانًا ليس مصدرًا لسبّح، إنما هو مصدر سبح، وقال النصر: سبحان الله معناه السرعة إليه والخفة في طاعته، وسبوحة- بفتح السين: البلد الحرام، وسباح علم الأرض الملساء عند معدن بني سليم، وسبحات وجه الله: أنواره، والسبحة: الدعاء، وأيضًا صلاة التطوع- انتهى.
وكله راجع إلى الإبعاد عن السوء، والسبحان: النفس، وكل أحد يبرئ نفسه ويرفعها عن السوء. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي}
قال المفسرون: قل يا محمد لهم هذه الدعوة التي أدعو إليها والطريقة التي أنا عليها سبيلي وسنتي ومنهاجي، وسمي الدين سبيلًا لأنه الطريق الذي يؤدي إلى الثواب، ومثله قوله تعالى: {ادع إلى سَبِيلِ رَبّكَ} [النحل: 125].
واعلم أن السبيل في أصل اللغة الطريق، وشبهوا المعتقدات بها لما أن الإنسان يمر عليها إلى الجنة ادعو الله على بصيرة وحجة وبرهان أنا ومن اتبعني إلى سيرتي وطريقتي وسيرة أتباعي الدعوة إلى الله، لأن كل من ذكر الحجة وأجاب عن الشبهة فقد دعا بمقدار وسعه إلى الله وهذا يدل على أن الدعاء إلى الله تعالى إنما يحسن ويجوز مع هذا الشرط وهو أن يكون على بصيرة مما يقول وعلى هدى ويقين، فإن لم يكن كذلك فهو محض الغرور وقال عليه الصلاة والسلام: «العلماء أمناء الرسل على عباد الله من حيث يحفظون لما تدعونهم إليه» وقيل أيضًا يجوز أن ينقطع الكلام عند قوله: {ادعوا إِلَى الله} ثم ابتدأ وقال: {على بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتبعنى} وقوله: {وسبحان الله} عطف على قوله: {هذه سَبِيلِى} أي قل هذه سبيلي وقل سبحان الله تنزيهًا لله عما يشركون وما أنا من المشركين الذين اتخذوا مع الله ضدًا وندًا وكفؤًا وولدًا، وهذه الآية تدل على أن حرفة الكلام وعلم الأصول حرفة الأنبياء عليهم السلام وأن الله ما بعثهم إلى الخلق إلا لأجلها. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {قل هذه سبيلي}
فيها تأويلان:
أحدهما: هذه دعوتي، قاله ابن عباس.
الثاني: هذه سنتي، قاله عبد الرحمن بن زيد. والمراد بها تأويلان:
أحدهما: الإخلاص لله تعالى بالتوحيد.
الثاني: التسليم لأمره فيما قضاه.
{أدْعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتّبَعَني} فيه تأويلان: أحدهما: على هدى، قاله قتادة.
الثاني: على حق، وهو قول عبد الرحمن بن زيد. وذكر بعض أصحاب الخواطر تأويلًا ثالثًا أي أبلغ الرسالة ولا أملك الهداية. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {قل هذه سبيلي} الآية إشارة إلى دعوة الإسلام والشريعة بأسرها. قال ابن زيد: المعنى: هذا أمري وسنتي ومنهاجي.
وقرأ ابن مسعود: {قل هذا سبيلي} والسبيل: المسلك، وتؤنث وتذكر، وكذلك الطريق، و: {بصيرة}: اسم لمعتقد الإنسان في الأمر من الحق واليقين، والبصيرة أيضًا في كلام العرب: الطريقة في الدم، وفي الحديث المشهور: «تنظر في النصل فلا ترى بصيرة»، وبها فسر بعض الناس قول الأشعر الجعفي:
راحوا بصائرهم على أكتافهم ** وبصيرتي يعدو بها عتد وأي

يصف قومًا باعوا دم وليهم فكأن دمه حصلت منه طرائق على أكتفاهم إذ هم موسومون عند الناس ببيع ذلك الدم.
قال القاضي أبو محمد: ويجوز أن تكون البصيرة في بيت الأشعر على المعتقد الحق، أي جعلوا اعتقادهم طلب النار وبصيرتهم في ذلك وراء ظهورهم، كما تقول: طرح فلان أمري وراء ظهره.
وقوله: {أنا ومن اتبعني} يحتمل أن يكون تأكيدًا للضمير في: {ادعوا} ويحتمل أن تكون الآية كلها أمارة بالمعروف داعية إلى الله الكفرة به والعصاة.
و{سبحان الله} تنزيه لله، أي وقل: سبحان الله، وقل متبرئًا من الشرك. وروي أن هذه الآية: {قل هذه سبيلي} إلى آخرها كانت مرقومة على رايات يوسف عليه السلام. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {قُلْ هذه سبيلي}
ابتداء وخبر؛ أي قل يا محمد هذه طريقي وسُنَّتي ومِنْهَاجِي؛ قاله ابن زيد. وقال الرّبيع: دعوتي. مقاتل: ديني، والمعنى واحد؛ أي الذي أنا عليه وأدعو إليه يؤدّي إلى الجنة. {على بَصِيرَةٍ} أي على يقين وحقّ؛ ومنه: فلان مستبصر بهذا. {أَنَاْ} توكيد. {وَمَنِ اتبعني} عطف على المضمر. {وَسُبْحَانَ الله} أي قل يا محمد: {وَسُبْحَانَ اللَّهِ}. {وَمَا أَنَاْ مِنَ المشركين} الذين يتخذون من دون الله أندادًا. اهـ.

.قال الخازن:

{قل} أي: قل يا محمد لهؤلاء المشركين: {هذه سبيلي} يعني طريقي التي: {أدعو} إليها وهي توحيد الله ودين الإسلام وسمي الدين سبيلًا لأنه الطريق المؤدي إلى الله وإلى الثواب والجنة: {إلى الله} يعني إلى توحيد الله والإيمان به: {على بصيرة} يعني على يقين ومعرفة والبصيرة هي المعرفة التي يميز بها بين الحق والباطل: {أنا ومن اتبعني} يعني من آمن بي وصدق بما جئت به أيضًا يدعو إلى الله، وهذا قول الكلبي وابن زيد قال: حق على من اتبعه وآمن به أن يدعو إلى ما دعا إليه ويذكر بالقرآن وقيل تم الكلام عند قوله أدعو إلى الله ثم استأنف على بصيرة أنا ومن اتبعني بعدي أنا على بصيرة ومن اتبعني أيضًا على بصيرة قال ابن عباس إن محمدًا صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا على أحسن طريقة وأفضل هداية وهم معدن العلم وكنز الإيمان وجند الرحمن.
وقال ابن مسعود: ومن كان مستنًا فليستن بمن قد مات أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا خير هذه الأمة وأبرها قلوبًا وأعمقها علمًا وأقلها تكلفًا قوم اختارهم الله لصحبة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ونقل دينه فتشبهوا بأخلاقهم وطريقهم فهؤلاء كانوا على الصراط المستقيم.
وقوله: {سبحان الله} أي وقل سبحان الله يعني تنزيهًا له عما لا يليق بجلاله من جميع العيوب والنقائص والشركاء الأضداد والأنداد: {وما أنا من المشركين} يعني وقل يا محمد وما أنا من المشركين الذي أشركوا بالله غيره. اهـ.

.قال أبو السعود:

{قُلْ هذه سَبِيلِى}
وهي الدعوةُ إلى التوحيد والإيمان بالإخلاص وفسّرها بقوله: {أَدْعُو إلى الله على بَصِيرَةٍ} بيانٍ وحجةٍ واضحةٍ غيرِ عمياءَ أو هي حالٌ من الضمير في سبيلي والعاملُ فيها معنى الإشارة: {أَنَاْ} تأكيدٌ للمستكن في أدعو أو على بصيرة لأنه حال منه، أو مبتدأ خبرُه على بصيرة: {وَمَنِ اتبعنى} عطف عليه: {وَسُبْحَانَ الله وَمَا أَنَاْ مِنَ المشركين} مؤكد لما سبق من الدعوة إلى الله. اهـ.

.قال الألوسي:

{قُلْ هذه سَبِيلِى} أي هذه السبيل التي هي الدعوة إلى الإيمان والوتحيد سبيلي كذا قالوا، والظاهر أنهم أخذوا الدعوة إلى الإيمان من قوله تعالى: {وَمَا أَكْثَرُ الناس وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف: 103] لافادة أنه يدعوهم إلى الإيمان بجد وحرص وان لم ينفع فيهم، والدعوة إلى التوحيد من قوله سبحانه: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ} [يوسف: 106] لدلالته على أن كونه ذكرًا لهم لاشتماله على التوحيد لكنهم لا يرفعون له رأسًا كسائر آيات الآفاق والانفس الدالة على توحده تعالى ذاتًا وصفات، وفسر ذلك بقوله تعالى: {ادعوا إِلَى الله} أي أدعو الناس إلى معرفته سبحانه بصفات كماله ونعوت جلاله ومن جملتها التوحيد فالجملة لا محل لها من الإعراب، وقيل: إن الجملة في موضع الحال من الياء والعامل فيها معنى الإشارة.
وتعقب بأن الحال في مثله من المضاف إليه مخالفة للقواعد ظاهرًا وليس ذلك مثل: {أَنِ اتبع مِلَّةَ إبراهيم حَنِيفًا} [النحل: 123] واعترض أيضًا بأن فيه تقييد الشيء بنفسه وليس ذاك: {على بَصِيرَةٍ} أي بيان وحجة واضحة غير عمياء، والجار والمجرور في موضع الحال من ضمير: {أَدْعُو} وزعم أبو حيان أن الظاهر تعلقه بأدعو وقوله تعالى: {أَنَاْ} تأكيد لذلك الضمير أو للضمير الذي في الحال، وقوله تعالى: {وَمَنِ اتبعنى} عطف على ذي الحال، ونسبة: {أَدْعُو} إليه من باب التغليب كما قرر في قوله تعالى: {اسكن أَنتَ وَزَوْجُكَ الجنة} [البقرة: 35] ومنهم من قدر في مثله فعلا عاملًا في المعطوف ولم يعول عليه المحققون، ومنع عطفه على: {أَنَاْ} لكونه تأكيدًا ولا يصح في المعطوف كونه تأكيدًا كالمعطوف عليه.
واعترض بأن ذلك غير لازم كما يقتضيه كلام المحققين، وجوز كون: {مِنْ} مبتدأ خبره محذوف أي ومن اتبعني كذلك أي داع وأن يكون: {على بَصِيرَةٍ} خبرًا مقدمًا: {وَأَنَا} مبتدأ: {وَمِنْ} عطف عليه، وقوله تعالى: {وسبحان الله} أي وأنزهه سبحانه وتعالى تنزيهًا من الشركاء، وهو داخل تحت القول وكذا: {وَمَا أَنَاْ مِنَ المشركين} في وقت من الأوقات، والكلام مؤكد لما سبق من الدعوة إلى الله تعالى.
وقرأ عبد الله: {قُلْ هذا سَبِيلِى} على التذكير والسبيل تؤنث وقد تذكر. اهـ.

.قال القاسمي:

{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي}
أي: هذه السبيل، التي هي الدعوة إلى الإيمان والتوحيد، سبيلي، أي: طريقي ومسلكي وسنتي. والسبيل والطريق يذكَّران ويؤنثان. ثم فسر سبيله بقوله: {أَدْعُو إِلَى اللّهِ} أي: إلى دينه وتوحيده، ومعرفته بصفات كماله، ونعوت جلاله: {عَلَى بَصِيرَةٍ} أي: مع حجة واضحة، غير عمياء: {أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي} أي: آمن بي، يدعون إلى الله أيضًا على بصيرة، لا على هوى: {وَسُبْحَانَ اللّهِ} أي: وأنزهه وأجله وأقدسه عن أن يكون له شريك، أو ندٌّ أو كفءٌ أو ولد أو صاحبة، تعالى عن ذلك علوًا كبيرًا: {وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} أي: على دينهم.
تنبيهات:
الأول: قال السمين: {أَدْعُو إِلَى اللّهِ} يجوز أن يكون مستأنفًا، وهو الظاهر، وأن يكون حالًا من الياء، و: {عَلَى بَصِيرَةٍ} حال من فاعل: {أَدْعُو} أي: أدعو كائنًا على بصيرة، وقوله: {وَمَنِ اتَّبَعَنِي} عطف على فاعل: {أَدْعُو} ولذلك أكد بالضمير المنفصل. ويجوز أن يكون مبتدأ والخبر محذوف، أي: ومن اتبعني يدعو أيضًا، ويجوز أن يكون: {عَلَى بَصِيرَةٍ} خبرًا مقدمًا، و: {أَنَا} مبتدأ مؤخرًا و: {مَنِ اتَّبَعَنِي} عطف عليه، ومفعول: {أَدْعُو} إما منوي، أي: الناس، أو منسي.
الثاني: دل قوله تعالى: {عَلَى بَصِيرَةٍ} على مزية هذا الدين الحنيف، ونهجه الذي انفرد به، وهو أنه لم يطلب التسليم به لمجرد أنه جاء بحكايته، ولكنه ادعى وبرهن وحكى مذاهب المخالفين، وكرَّ عليها بالحجة، وخاطب العقل، واستنهض الفكر، وعرض نظام الأكوان وما فيها من الإحكام والإتقان، على أنظار العقول، وطالبها بالإمعان فيها لتصل بذلك إلى اليقين بصحة ما ادعاه ودعا إليه- انظر رسالة التوحيد في تتمة ذلك.
الثالث: دلت الآية على أن سيرة أتباعه صلى الله عليه وسلم، الدعوة إلى الله.
قال الرازي: كل من ذكر الحجة، وأجاب عن الشبهة؛ فقد دعا بمقدار وسعه إلى الله. وهذا يدل على أن الدعاء إلى الله تعالى إنما يحسن ويجوز مع هذا الشرط، وأن يكون على بصيرة مما يقول، وعلى هدى ويقين، فإن لم يكن كذلك، فهو محض الغرور. انتهى.
ولا يخفى أن الدعوة إلى الله إنما هي بنشر مطالب الدين وإذاعة آدابه وتعليمه.
قال بعضهم: ينبغي للعالم أن يكون حديثه مع العامة في حال مخالطته ومجالسته لهم، في بيان الواجبات والمحرمات، ونوافل الطاعات، وذكر الثواب والعقاب، على الإحسان والإساءة. ويكون كلامه معهم بعبارة قريبة واضحة يعرفونها ويفهمونها، ويزيد بيانًا للأمور التي يعلم أنهم ملابسون لها، ولا يسكت حتى يسأل عن شيء من العلم، وهو يعلم أنهم محتاجون إليه، ومضطرون إليه، فإن علمه بذلك سؤال منهم بلسان الحال. والعامة قد غلب عليهم التساهل بأمر الدين، علمًا وعملًا، فلا ينبغي للعلماء أن يساعدوهم على ذلك بالسكوت عن تعليمهم وإرشادهم، فيعم الهلاك، ويعظم البلاء. وقلما تختبر عاميًا- وأكثر الناس عامة- إلا وجدته جاهلًا بالواجبات والمحرمات، وبأمور الدين التي لا يجوز ولا يسوغ الجهل بشيء منها. وإن لم يوجد جاهلًا بالكل، وجد جاهلًا بالبعض. وإن علم شيئًا من ذلك، وجدت علمه به علمًا مسموعًا من ألسنة الناس، لو أردت أن تقلبه له جهلًا فعلت ذلك بأيسر مؤونة، لعدم الأصل والصحة فيما يعلمه. وعلى الجملة، فيتأكد على العلماء أن يجالسوا الناس بالعلم، ويحدثوهم به، ويبثوه لهم، ويكون كلام العالم معهم في بيان الأمر الذي جاؤوا من أجله، مثل ما إذا جاؤوا لعقد نكاح، يكون كلامه معهم فيما يتعلق بحقوق النساء من الصداق والنفقة والمعاشرة بالمعروف. أو لعقد بيع، يكون كلامه في صحيح البيوع وآدابها، وفوائد التجارة النافعة، واجتناب الغش والخداع وهكذا. ولا ينبغي للعالم أن يخوض مع الخائضين، ولا أن يصرف شيئًا من أوقاته في غير إقامة الدين. وبالسكوت عن التذكير والتعليم، يغلب الفساد، ويعم الضرر، ولا حول ولا قوة إلا بالله. اهـ.